الثلاثاء، 27 أكتوبر 2009

مناهجنا التربوية ... دراسة نقدية

ورقةٌ قدمت في
الدورة الشرعية السادسة بـ"مباكي - طوبي"
من ٨ إلي ١٨ أغسطس ٢٠٠٨


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
تقديم
تحتل التربية مكانة مركزية في حياة المجتمعات البشرية، باعتبارها الوسيلة الأساسية لنقل قيمها وثراثها ولتكوين نشئها وإعداده ليكون قادرا على التكيف والتكييف والمساهمة في تنمية المجتمع تنمية شاملة.
ويُعد المنهج التربوي المحور الرئيس في العمل التربوي والعنصر الأساس من بين عناصره الأخري كالمعلم والتلميذ والمرافق؛ وهنا تكمن أهمية دراسة المناهج التربوية ونقدها بشكل مستمر لتظل دينامكيا وقادرا عل مواكبة التغيرات الثقافية والاجتماعية والتقنية المتلاحقة لهذا العصر.
وفي هذه الورقة حول موضوع " مناهجنا التربوية.. دراسة نقدية " سنكتفي بمؤسسات التعليم العربي الأسلامي، وسنحاول استعراض مناهجها بهدف إعطاء فكرة عن مميزات هذه المناهج وبعض جوانب النقص فيها واقتراح خطوات لتحسينها، حسب الخطة التالية:
ـ تمهيد لتوضيح المفاهيم،
ـ نبذة تاريخية وجيزة عن المناهج التربوية،
ـ استعراض المناهج التربوية المطبقة في مدارسنا العربية الإسلامية،
ـ ملاحظات نقدية حول تلك المناهج،
ـ اقتراحات لتحسين المناهج،

تمهيد
توضيح المفاهيم
يجدر بنا قبل الخوض في الموضوع أن نوضح مفاهيم بعض المصطلحات التي استعملناها في هذه الورقة.
- المناهج :
اصطلح المربون على أن للمنهج مفهومين تقليدي وحديث:
أ) المنهج حسب المفهوم التقليدي عبارة عن مقرر دراسي موضوع بشكل مواد دراسية تتوزع محتوياتها بالتفصيل علي الصفوف المختلفة، ويدرسها التلاميذ داخل الصف استعدادا للامتحان [ علم التربية التطبيقي]
ب) المنهج حسب المفهوم الحديث تخطيط للعمل البيداغوجي أكثر اتساعا من المقرر التعليمي، فهو لا يتضمن فقط مقررات المواد بل أيضا غايات التربية وأنشطة التعليم والتعلم وكذلك الكيفية التي سيتم بها تقويم التعليم والتعلم [ معجم علوم التربية]
ومصطلح المنهاج curriculum في استعماله الفرنسي " خطة عمل تتضمن الغايات والمقاصد والأهداف المقصودة والمضامين والأنشطة التعليمية، وكذا الأدوات الديدكتيكية، ثم طرق التعليم وأساليب التقويم."
والمناهج التربوية في السنغال غابة واسعة، وهي متعددة ومتنوعة حسب تعدد المؤسسات التعليمية وتنوع وضعياتها وتوجهاتها، ما بين تقليدية وحديثة، نظامية وغير نظامية حكومية وأهلية، وما بين علمانية ودينية . فمن باب المستحيلات التعرض لها جمعاء في إطار هذه الدراسة، ولذا نقتصر بمناهج مؤسسات التعليم العربي الإسلامي.
- دراسة نقدية:
سنكون طموحين أكثر من اللازم إن أرادنا إجراء درسة نقدية حقيقية في هذه الورقة، لأن ما تتطلبه هذه العملية من البحث والإجراءات المنهجية، وما تستلزمه لكي تتسم بالمصداقية من التخصص والخبرة، لا تتوفر لدينا، ومن هنا نكتفي باستعراض مناهج مؤسسات التعليم العربي الإسلامي ، لاكتشاف مميزاتها وتقديم ملاحظات نقدية حولها، حسب معايير المنهاج بمفهومه الحديث، بهدف فتح باب للإصلاح والتحسين في إطار امكانياتناالمتاحة وظروفنا الواقعية.

I)نبذة تاريخية عن مناهج مؤسسات التربية الإسلامية في السنغال

ا) التعليم العربي الإسلامي التقليدي " المجالس "
إن عملية التربية لا تخلو من منهج يسلكه الفرد أو المجتمع فيها، سواء أكان صريحا موصوفا ومخططا أم متبعا بدون تصريح. وقد عرف السنغال منذ دخول التعليم العربي الإسلامي مع دخول الإسلام فيه مناهج أوبرامج تعليمية في مؤسسات تطلق عليها " المجالس "أو "دار"
وكانت لهذا التعليم العربي الإسلامي برامج ومناهج تعليمية خاضعة لشروط ومعايير خاصة حسب المواد والكتب المدرسية.
ومنهج الفقه يبدأ من كتاب الأخضري لمؤلفه عبد الرحمن الأخضري (تـ 983هـ) وينتهي في الغالب إلى الكتاب الموطأ لإمام مالك ابن أنس صاحب المذهب المالكي (تـ 1142هـ)، ويكمل الطالب دراسته الفقهية بكتاب أصول الفقه الذي ألفه تاج الدين السبكي (تـ 1370 هـ).
وأما منهج النحو فيبدأ من كتاب أجرومية المنسوب إلى مؤلفه محمد بن محمد الصنهاجي الأجرومي المشهور بأبي عبد الله (تـ 1323 هـ) وينتهي إلى كتاب ألفية بن مالك وهو منظوم شعري يصل إلى ألف بيت لمؤلفه محمد جمال الدين المكني بأبي عبد الله والمشهور بابن مالك (تـ 1273 هـ).
وتنطلق دراسة الأدب ابتداء من كتاب مقصورة ابن دريد لمؤلفه محمد بن حسن المشهور بابن دريد الذي ولد في بصرة بعراق و توفي فيها، وكانت هذه المدينة مشهورة بعلم النحو في تاريخ الأدب العربي وينتهي المنهج الأدبي إلى كتاب مقامات الحريري لمؤلفه القاسم بن علي الحريري المكنى بأبي محمد (تـ 516هـ).1 "
وقد اجتهد علماؤنا في إصلاح هذا البرامج التعليمية علي مر السنين بإعادة تأليف المضامين لبعض كتبها التعليمية شعرا ونثرا لتكييفها مع بيئتهم، ومن هؤلاء :
1. محمد جوب « مور خج كمب » صاحب المقدمة الككية في النحو ومعونة البليد في العروض.
2.القاضي مجخت كالا صاحب مبين الإشكال في العروض
3.الشيخ الحاج مالك سي صاحب الميمية الشهيرة في السيرة النبوية
4.الشيخ الخديم صاحب المولفات العديدة في التوحيد والفقه والتصوف والنحو
وما زالت هذه المجالس ببرامجها التقليدية، إلي جانب المعاهد التعليمية الحديثة، تستقبل الطلبة الذين يتخرجون من المدارس القرآنية .

ب)المدرس والمعاهد العربية الإسلامية الحديثة
وقد شهدت ساحة التعليم العربي الإسلامي تطورات هامة في القرن ٢٠ حيث ظهرت المدارس العربية الإسلامية الحديثة. وقد سعي أصحابها إلي إجراء إصلاحات في البرامج التعليمية وإدخال مواد تعليمية جديدة وتعديل الفضاء المدرسي ببناء الفصول وتجهيزها على غرار المدارس النظامية.
ومن أشهر تلك المدارس
1.مدارس حركة الفلاح التي أسسها الحاج محمود باه 2
2.معاهد الأزهر التي أسسهاالشيخ محمد المرتضى امباكي
3.معهد الدروس الإسلامية للشيخ أحمد امباكي
4.معهد الشيخ إبراهيم نياس
5.معاهد جماعة عباد الرحمن
وهذه المؤسسات - وهي التي تعنينا في هذه الدراسة - تتبنى مناهج تربوية وأساليب تدريسية تعتبر حديثة بالمقارنة مع المناهج والأساليب التقليدية.
ومناهجها متقاربة من حيث البنية والمحتوي وإن اختلفت من الحيث المصدر والمرجعية؛ ولها قواسم، أو مميزات مشتركة نتناولها في الآتي بشكل وجيز. 

II) استعراض المناهج التربوية المطبقة في مدارسنا العربية الإسلامية
أولا: الأرضية الفلسفية
تنطلق هذه المناهج، وإن بشكل ضمني، من مبدأ نقل التراث الثقافي الإسلامي، بما فيه من عقيدة وقيم سلوكية وأحكام ومعاملات إلى الأجيال الناشئة، وتزويدها بمبادئ العلوم الاجتماعية والطبيعية، بغاية تحقيق الجمع بين عبادة الخالق سبحانه وتعالي وعمارة الأرض.
ثانيا: الأهداف العامة
تتمحور الأهداف المعلنة لهذه المناهج حول:
تربية أبناء المسلمين تربية إسلامية
غرس العقيدة الإسلامية الصحيحة
محاربة الجهل ومحو الأمية
محاربة البطالة
ثالثا المحتويات
المحتويات في هذه المناهج عبارة عن مواد مقررة وموضوعات موزعة علي المراحل وعلى مستويات كل مرحلة، وأحيانا على شكل كتب تعليمية أو أجزاء من كتب معتمدة من قبل مؤسسات تابعة لدول عربية كالمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر والمملكة المغربية ودولة الكويت.
وتتفرع المضامين إلي الوحدات التالية في الغالب
1.وحدة اللغة العربية
2.وحدة المواد الدينية
3.وحدة المواد الاجتماعية
4.وحدة المواد العلمية
5.وحدة اللغة الأجنية بدرجات متفاوتة
رابعا: التصميم أو البنية
تقدم هذه المناهج على شكل وحدات تعليمية تتضمن المواد والموضوعات المقررة، ومدد الحصص المخصصة لكل مادة.
ولم يخرج عن هذا النمط البرنامج الذي وضعته اللجنة الوطنية لإعادة تنظيم التعليم العربي الحر في السنغال غير أنه تضمن بعض توجيهات منهجية حول تدريس المواد وإشارات إلى الأهداف في بعض الأحيان.

III) ملاحظات نقدية حول المناهج:
حول الأرضية الفلسفية:
إن النوايا المعلنة لهذه المناهج نوايا حسنة ومقبولة ولكنها لا تصاغ بشكل متماسك ومنسجم، ونادرا ما تأخذواقع المجتمع بعين الاعتبار.
حول الأهداف العامة:
قلما تصرح بالأهداف في هذه المناهج وإن ذكرت فإنها تقتصر على مستوى الغايات والمرامي ولا تصف القدرات والمهارات والاتجاهات المتوقعة والنتائج المنتظرة على المدى المتوسط بالنسبة للمواد المقررة.
ولا تعير المناهج، في تحديد أهدافها، اهتماما كبيرا لتوقعات شرائح مهمة في المجتمع واهتماماته ( أصحاب الحرف والمهن الحرة ......)
حول المحتويات:
يلاحظ ما يلى حول المحتويات
التركيز الشديد على المعارف والموضوعات المدروسة باعتبارها غاية في حد ذاتها، مما يؤدي إلي تضخم في المقرر وصعوبة فهمه واستيعابه.
عدم ملاءمة الكتب المدرسية المقرر لبيئة التلاميذ في بعض الأحيان؛
غياب التماسك الداخلي لعدم تكامل المواد فيما بينها؛
قدم بعض المعلومات الوادرة في الكتب المقررة وخاصة في المواد الاجتماعية والعلمية
حول الطرائق البيداغوجية
من أهم ما يمكن أن تنتقد به هذه المناهج عدم وجود أي إشارة إلي طرق وأساليب تنفيذها في كثير منها، مع العلم بأن ذلك يعتبر جزءا لا يتجزأ من المنهح بمفهومه الحديث.
وفي الحقيقة، يرينا الواقع أن طابع التلقين والتحفيظ هو الغالب في هذه الطرائق كما أنها تغفل إلى حد كبير عن النواحي الفنية والجسمية والاجتماعية.
حول أساليب التقويم
أساليب التقويم غير محددة في هذه المناهج ولكن الممارسة تسفر عن ضعف عملية التقويم، فهي عبارة عن اختبارات وامتحانات قلما تكون موضوعا للتحليل والدراسة وسببا في اتخاذ قرارات تصحيحية.
وعلي الرغم من الانتقادات التي توجه إلى مثل هذه المناهج فإنها ما زالت حاضرة في المؤسسات التعليمية على مستوى العالم وتخرج فيها علماء كبار، إلا أن التغيرات السريعة التي تطرأ علي المجتمعات هي التي تفرض إجراء تعديلات وتحسينات على المناهج التربوية لـتكون قادرة على تلبية الاحتياحات المختلفة للمجتمع.

IV) اقتراحات للتحسين
تواجه مؤسساتنا التربوية تحديات عديدة من الناحية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية؛ وهذه التحديات تفرض على هذه المؤسسات اتخاذ إجراءات إصلاحية على جميع المستويات :المستوي الإداري والتنظيمي، المستوى البيداغوجي...
وفي هذا الصدد نقدم الاقتراحات التالية فيما يخص المناهج:

ـ إعادة النظر في الأهداف التربوية من حيث المحتوى والصياغة، للأخذ في الاعتبار هموم المجتمع وتوقعاته ومشاكله ولمراعاة البيئة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، على المستويين المحلي والعالمي.
ـ تكييف المحتويات لتوائم بيئة التلاميذ وترتبط بمحيطهم، وتراعي مستوياتهم العقلية والجسمية؛
ـ الاهتمام بطرق التدريس وبالوسائل التعليمية وبالأنشطة التعلمية التي تنمي قدرات التلاميذ العقلية والجسمية؛
ـ إعادة النظر في أساليب التقويم لكي يساهم في تحسين العملية التربوية.

ومن أجل تنفيذ هذه المقترحات يتعين :
ـ تشكيل لجان متخصصة تعنى بمراجعة المناهج وتحسينها بشكل مستمر،
ـ وضع برامج تكوينية لتعزير قدرات المعلمين والإداريين في المؤسسات التعليمية.


خاتمة
هذه نظرات حول مناهجنا لم تصل إلى مستوى دراسة نقدية ولكنها قد يفتح شهية من يريد إجراء دراسة حقيقية في هذا المجال. وقد ركزنا- كما لاحظتم- على مناهج التعليم العربي الإسلامي، ولم نتطرق إلى المناهج الأخري كالمناهج المزدوجة التي تسعى إلي إدراج مناهج التعليم الفرنسي الرسمي لتمكين تلاميذها من المشاركة في امتحانات الحكومية، وذلك لضيق حدود هذه الورقة.


وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
والسلام عليكم


سام بوسو عبد الرحمن 
مفتش التعليم العربي بأكاديمية تياس
تياس ١٢ أغسطس ٢٠٠٨

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية… إصدارٌ جديد للدكتور خادم سِيلا

تمثِّل المفاهيمُ أدواتٍ ضروريةً لبناء المعارف وتوجيهِ التفكير، ولذلك تؤثر تأثيراً بالغا في مواقف الناس وسلوكياتهم. وهي تتشكَّل ضمن سياقات مع...