الاثنين، 8 سبتمبر 2014

قراءة في زيارة الرئيس ماكي صال للشيخ سيدي المختار امباكي

تناقلت الصحف السنغالية هذه الأيام زيارةً قام بها رئيس الجمهورية إلى كر انغاندا Keur Nganda حيث يقيم الشيخ سيدي مختار الخليفة العام للطريقة المريدية، كما ذكرت نبأ زيارة سبقتها بـ ٢٤ ساعة قام بها السيد إدريس سك أحد زعماء المعارضة الذي قيل بأنه ذهب لمبايعة الخليفة !
قد أحيت هذه الأنباء نقاشا قديما حول علاقات السلطة السياسية بالسلطات الدينية في البلاد وخاصة الطريقة المريدية، وهو النقاش الذي كان محتدما في عهد الرئيس السابق عبد الله واد بسبب تجاهره هو بالانتماء إلى هذه الطريقة. والتساؤل الذي يطرح نفسه هو : كيف نفهم تصرف هاتين الشخصيتين البارزتين في الساحة السياسية؟ وما هي دلالاته؟ وما هو الموقف الملائم من المريدين تجاه مثل هذه التصرفات؟

شهدت حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة تركيزا مبالغا فيه على علاقة السلطات الدينية وخاصة المريدية بالسلطات السياسية وتدخلها في الشأن السياسي، وفي ذلك الوقت وُجهت انتقاداتٌ لاذعة للرئيس عبد الله وادْ بسبب ارتباطاته بشيوخ الطرق الصوفية.
ولما فاز السيد ماكي صال في الانتخابات الرئاسية حصل انطباع عام لدى كثير من المراقبين بأنه سيأتي بقطيعة في طبيعة هذه العلاقات من خلال تصريحاته وتصرفاته؛ ففي أول تصريح له في هذا المجال أعلن بأن "الشيوخ مواطنون عاديون" وفي زياراته الأولى لطوبى لم يكن التلفزيون الرسمي يبث مشاهد يقبِّل فيها يد الخليفة ، كما أذاعت الصحف آنذاك أنباء استعادة حكومة الرئيس الجديد لسيارات كان الرئيس السابق أعطاها لبعض الشيوخ وكذلك أنباء استرداد جوازات سفر ديبلوماسية كانت بحوزة بعضهم أو منع تجديدها، وخفت وتيرة الزيارات المتبادلة بين طوبى والقصر الرئاسي وانخفض مستوى التمثيل الحكومي في المناسبات الدينية.

ساهمت هذه التصرفات أو تلك الأنباء في إضفاء جو من الفتور في علاقات الرئيس بسلطات طوبى، وشعر كثير من الناس بأن طبيعة العلاقات بين الطرفين قد تغيرت بشكل نهائي ونحت منحى جديدا.

وفجأة بدأت أمارات التغير في هذا الاتجاه تلوح في الأفق إلى أن قام الرئيس ماكي بزيارته الأخيرة للخيلفة مع ما أعقبها من تصريح وإخراج تلفيزيوني يظهر الرئيس بمظهر مريد يزور شيخه أو ابن يزور أباه – على حد تعبير الرئيس نفسه - بالإضافة إلى ما في التقرير الذي بثَّه التلفزيون الرسمي RTS من تذكير بالعلاقات الوطيدة بين الرئيس وطوبى وإعادة مونتاج لمشاهد قديمة من زياراته السابقة، الأمر الذي يوحي بوجود عملية إعلامية مقصودة بغرض التأثير في الرأي العام المريدي أو تغيير نظرة المريدين إلى الرئيس.

ومهما يكن من دوافع وراء ما حدث فللمحللين في تفسير هذا التحول الجديد مذاهب شتى: فهناك من جهة مَن يشير إلى أنه في الوقت الذي كان الرئيس يبدي حياده تجاه المؤسسات الدينية كان المعارض السيد إدريس سك الذي انشق عن التحالف الرئاسي يسعى بشكل حثيث لتحسين سمعته لدى الأوساط المريدية ولكسب وُدّ شيوخها من خلال تصريحاته وزيارته المتوالية . ومن جهة أخرى يرى البعض في نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة ناقوس خطر على التحالف الذي يتزعمه حزب الرئيس صال؛ فقد خسر تقريبا في كثير من المناطق ذات الأغلبية المريدية : امباكي باول دار المعطي جوربل ... وهذا الواقع يمكن أن يدفع رئيس حزب التحالف الجمهوري الحاكم APR إلى مراجعة موقفه من الشيوخ تحسبا للانتخابات المقبلة.

وبصرف النصر عن وجاهة تلك التحليلات أو عدمها، يهمني فقط هنا موقف المريدين من ألاعيب محترفي السياسة. فمن المعتاد في واقع الأمر أن نرى رجال السياسة يستغلون نفوذ رجال الدين لأغراض انتخابية، ومن الطبيعي أيضاً أن نُلفيهم يسعون لتحويلهم إلى أدوات في سبيل الوصول إلى الحكم أو البقاء فيه، ولكن المشكلة تكمن في انجرار هؤلاء وراء حيل الساسة ووقوع المريدين في الفخ بحيث يصبحون ضحايا لخدعهم.

ولا نستبعد بعد انتشار مثل هذه الصور والأخبار أن نرى من يتفاخر أو من يُروِّج بكل سذاجة بأن فلانا أو علانا من صادقي المريدين ومحبي شيخهم، وعليهم من هذا المنظور أن يؤيدوه بقطع النظر عن إنجازاته أو برنامجه!

في الحقيقة، كان كثيرٌ من الغيورين على الطريقة ومستقبلها يستبشرون ويتفاءلون خيرا بالتباعد النسبي بين السلطات السياسية والدينية مع مجيء النظام الجديد لأنهم كانوا يرجون أن يتسبب من هذا الوضع تعزيزٌ لوعي الشيوخ والأتباع معا بخطورة الاختلاط السلبي بالسياسة وبضرورة مضاعفة الجهد لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وخاصة من الناحيتين التربوية والاقتصادية، ولكن أخوف ما يُخاف الآن أن ينخدعوا من لعبة الساسة ويقعوا في حبالهم من جديد فينعكس ذلك على سمعة المريدية واستقلاليتها.
وليس من المؤكد أن يكون لهذه اللعبة تأثيرٌ في موقف الخليفة الشيخ سيدي المختار ذاته ولكنَّ ما يُهم ساستَنا هو الصور والمشاهد التي يستغلونها للتغرير بالناخبين الذين قد يتعاطفون معهم بسبب ما في تلك الصور والمشاهد من دلالات التقارب والتوافق.

ولب القضية في نهاية التحليل أنه آن الأوانُ لإيجاد استراتجية واضحة ومفهومة للجميع تجاه الشأن السياسي لكي يتأسس أي تدخل فيه، سواء بالتأييد أو بعدمه، على معاييرَ موضوعية ومحددة، وبهذا يمكن إفشال خدع المحترفين السياسيين ورفض ألاعيبهم، فيضطرون إلى بناء سياساتهم أو برامجهم على أساس خدمة المصالح العامة للبلاد إذا ما أرادو البقاء في السلطة أو الوصول إليها.

لمشاهدة التقرير التلفيزيوني عن الزيارة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالات ذات صلة:


هناك تعليقان (2):

  1. محمد لوح تييس10 سبتمبر 2014 في 9:56 م

    بعد قراءة هذا التقرير المهم في زيارةالرئيس صال للشيخ سيدي المختار الخليفة المريدية في كر انغانداأود غبداء رأيي المتواضع حول القضية:
    أولا ننظر إليهاأن الرئيس ذهب ليعالج خطأ ارتكبه، بالرغم من قبوله نصيحة الشيخ بترك الاحتجاجات والمظاهرات العنيفة أثناء الحملات الانتخابية لرئاسة السنغال لعام 2012م، مماأدى بوصوله إلى زمام الأمور،فنسيانه لهذا الفعل الجسيم من طرف الشيخ أدى به إلى هذا الإبتعاد بطوبى والاهتمام بأمورها. لأن الشيخ كان يريد السلام والاستقرار في البلاد.
    ثانيا: فالرئيس الذي قدم تصريحات كثيرة حول الشيوخ في السنغال لا تساعده على ان تكون له علاقات وطيدة بين هؤلاء الشيوخ، من هذه التصريحات قوله:"الشيوخ مواطنون عاديون"، " لا أعتمد على المسحبات في تطوير البلاد"، " السنغاليون لا يقبلون التغير" كل هذه تدخل في تجاهله التام لدور الشيوخ المهم في تقدم البلاد، رغم مرافقته للرئيس عبد الله واد مدة ثمانية أعوام وقف خلالهاعلى أعتاب باب عدد من الشيوخ.
    ثالثا: اتكنافه لوزراء ومستشارين ليست لهم أدنى احترام تجاه الشيوخ والمكرمين في البلاد، كل يوم يصدرون تصريحات سيئة على جميع الشيوخ، إلى جانب استرداده للسيارات التي تكرم بها الرئيس عبد الله واد لجميخ شيوخ السنغال، وكذلك جوزات السفر، ومنعهم من المرور حتى في صالون الشرف بمطار دكار الدولي.
    رابعا: رغبته في إنزال جميع الشيوخ في منزلة واحدة، بالعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يقم بذلك.
    فطوبى لها دور فعال في سياسة البلاد، ومن لم يعترف بهذا القدر لا يكتب له القدر نجاحا في أعماله.

    ردحذف

جامعة الشيخ أحمد بمب UCAB تكرم خريجيها

نظمت اليوم (14 فبراير 2024م) جامعة الشيخ أحمد بمبUCAB برئاسة فضيلة الشيخ مام مور امباكي مرتضى حفلة لتكريم خرجيها في رحاب كلية العلوم الدينية...